عدنان بن عبد الله القطان

18 ذو القعدة 1443 هـ – 17 يونيو 2022 م

—————————————————————————-

 

الحمد لله الحكيم العليم، يضع البركة في القليل الضئيل، فإذا هو كالبحر الواسع، أو الفيض العميم، ويمحق بقدرته الكثير الدخيل، فإذا هو كالهباء أو الهشيم (وَٱللَّهُ يُضَـٰعِفُ لِمَن يَشَاء وَٱللَّهُ وٰسِعٌ عَلِيمٌ) نحمده تعالى على نِعَمه الجمَّة، ونشهد أن لا إلهَ إلا الله وحدَه لا شريك له شهادةً تكون لمن اعتصَم بها خيرَ عِصمة، ونشهد أنّ سيدنا ونبينا محمّدًا عبده ورسوله، أرسله ربُّه للعالمين رحمة، صلّى الله عليه وعلى آله وأزواجه وأصحابه صلاةً تكون لنا نوراً من كلِّ ظلمة ورحمة وسلّم تسليماً كثيراً.

أمّا بعد: فأوصيكم عباد الله ونفسي بتقوى الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)

معاشر المسلمين: من الظواهر التي يلحظها أغلب الناس اليوم، وتتفق فيها كلمة أكثرهم حتى لا يكاد يختلف فيها اثنان، قلّة البركة في الأموال والأولاد والصحة والأعمار، وعدم الانتفاع بالأرزاق والأبناء، حتى إن الرجل ليكون مرتّبه عالياً ودخله جيداً وأبناؤه عُصْبَة من الرجال الأقوياء الأشداء، ثم تراه يقترض ويستدين، ويعيش في بيته وحيداً أو مع زوجه العجوز، لا أحد من أبنائه يحدب ويعطف عليه، أو حتى يلتفت إليه. ولربما دخل كثير من الناس السوق والمراكز التجارية والمجمعات، وجيبه مليء بالمال، فلا يخرج إلا وهو صفر اليدين أو قد تحمَّل شيئاً من الدَّين، وعندما ينظر فيما أتى به من أغراض وحاجات لأهله لا يجد إلا أشياء كمالية صغيرة، يحملها بين يديه بلا عناء، ولا تساوي ما أنفق فيها من مال… وإن هذا الأمر أيها الإخوة في الله ليس قضية عارضة أو مسألة هينة، بل هو في الواقع يشكل ظاهرة ملموسة وقضية محسوسة، ويعد منحنىً خطيراً في حياة المجتمع المسلم، يجب على كل فرد منا أن يدرسه ويتعرف على أسبابه، ويبحث عن حله الناجح وعلاجه الناجع، فيأخذ به ويقي نفسه، لعل الله أن ينجيه مما ابتلي به غيره من الناس، أو مما قد يكون هو نفسه مبتلى به.

أيها المسلمون: إننا يجب أن نوثق علاقتنا بهذا الدين العظيم، الذي ندين الله عز وجل به في كل أمورنا، يجب أن نرتبط به في جميع مناحي حياتنا، وأن ندرس تحت مظلته قضايانا، ونحل به مشكلاتنا، وأن نعلم أننا مهما تمسكنا به وعضضنا عليه بالنواجِذ فلن نضل ولن نشقى بتوفيق الله، وأننا بقدر ما نبتعد عنه أو ننحرف عن صراطه المستقيم أو نتخلّى عن تعاليمه السمحة المباركة أو نتهاون بها فإننا نهوي إلى مكان مُوحِش سَحِيق، ونلقي بأنفسنا في مجاهل من المستقبل المتردّي الذي لا يعلم ما يكون عليه إلا الله… يقال هذا الكلام ـ أيها الإخوة ـ ونحن قد رأينا الناس في الماضي القريب بل القريب جداً، عندما كان قدر دينهم في قلوبهم أقوى وأعلى، ومكانته في نفوسهم أمكن وأسمى، إذ ذاك كانت أرزاقهم سهلة ميسورة، والخيرات والبركات بينهم منشورة، كان راتب أحدهم قليلاً ومعاشه ضئيلاً، ولكنه كان يسد حاجته وحاجة عياله ومن يعول، ويمنعه الفاقة، ويكفيه ذل سؤال الناس واستجدائهم، بل كان يوفر منه ويدّخر شيئاً كثيراً، يجده عند الشدائد والملمات، وينفعه الله به عند المضائق والكربات، ثم ما زالت الرواتب تزداد والبركة تقل والمعاشات ترتفع ومستوى المعيشة ينخفض، في ظل هذه الحضارة المادية البحتة التي ازداد الناس فيها علماً بظاهر الحياة الدنيا، وأصبحوا عن الآخرة هم غافلون، فقلّت البركة فيهم ونُزِعت من أموالهم، حتى أصبح الذي بالأمس تكفيه مائة دينار في شهره ينفق الآن ثلاثمائة دينار أو أكثر في أسبوع أو أسبوعين، ثم يظل بقية شهره لا يجد شيئاً، مما يضطره للاستدانة من الآخرين أو سؤالهم، وكلاهما أمران أحلاهما مُرّ عَلْقَم… ولذا أيها المسلمون كان لا بد أن نتأمل في أحوالنا، ونراجع أنفسنا، وأن نعود إلى ديننا، ونتوب إلى ربنا، لعله سبحانه أن يرحمنا رحمة من عنده واسعة، يغنينا بها عن رحمة من سواه. وإنه لا بد مع ذلك أن نتعرف على الأسباب التي بها نُزِعت البركات وقلّت الخيرات، حتى نعالجها ونتخلص منها

 ومن تلك الأسباب عباد الله بل هو أهمها وأقواها ضعف الإيمان في النفوس وانعدام التقوى في كثير من القلوب، حتى عاد كثير من المسلمين لا يرجون لله وَقَاراً، فعصوه ليلاً ونهاراً، وخالفوا أمره سراً وجهاراً، واتبعوا من لم يزده ماله وولده إلا خساراً.

لقد أصبح كثير من الناس اليوم ـ ولا حول ولا قوة إلا بالله ـ لا يقيمون لأوامر الدين ونواهيه وزناً، ولا يعطونها اهتماماً ولا قدراً، بل لقد أصبح بعضهم لا يلقي لها بالاً بالكلية، إذ تأتي عنده في المرتبة الأخيرة من اهتماماته، وتجيء في مؤخرة أولوياته

 انظروا رحمكم الله إلى الصلوات الخمس أهمّ أركان الدين العملية كيف تجرّأ كثير منا اليوم على تركها وتهاون بأدائها، وكأنها عنده أمر اختياري عادي، يخضع لهوى نفسه ورغباتها. يقول تعالى: (وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِٱلصَّلَوٰةِ وَٱصْطَبِرْ عَلَيْهَا ۖ لَا نَسْـَٔلُكَ رِزْقًا ۖ نَّحْنُ نَرْزُقُكَ ۗ وَٱلْعَٰقِبَةُ لِلتَّقْوَىٰ) وكم من المسلمين اليوم من يخرج زكاة ماله، ويراقب الله عز وجل في أوامره ونواهيه؟! والله لو صدق كل منا مع نفسه وحاسبها محاسبة صادقة لوجد أخطاء لا يحصيها العَدّ، ولا يبلغها الحَدّ، لسنا بحاجة إلى تعدادها والتفصيل فيها، فكل أدرى بنفسه وأخبر بحاله، (بَلِ الإِنسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ وَلَوْ أَلْقَى مَعَاذِيرَهُ)…عباد الله: ومن أسباب قلة البركات ونزعها تعلق جمهور من الناس بالمال والدنيا، وغفلتهم عن المآل والأخرى، حتى لقد أصبح كثير منهم يوالي في المال ويعادي فيه، ويحب له ويبغض من أجله، ويرضى إن أعطي ويسخط إن منع، وإلا فقولوا لي بربكم: ما شأن هذه المنازعات التي أقضّت مضاجع القضاة؟! وما سبب تلك المرافعات التي شغلت المحاكم؟! وما نهاية تلك القضايا المستغلقة المتعسّرة التي مضى عليها عشرات السنين؟! ولِمَ يتهاجر إخوان ويتقاطع أرحام وجيران، ويتعادى أبناء وطن واحد؟! وعلى أي شيء تنقضي أعمار كثير من الناس؟! أعلى ما يرضي الله وفي طاعة الله، أم إنه في سبيل الشيطان وإغراق في المعصية، وتفريق بين الأخ وأخيه، وابن العم وقريبه؟! إنه لا يستطيع أحد من المتهاجرين المتصارمين أن يقول: إنه هجر أخاه لأنه لا يصلي، ولا يقدر أحد من المتخاصمين المتقاطعين أن يدعي أنه أقام على من خاصمه دعوى لأنه عاص لله، إذًا فمن أين ننتظر حلول البركة في أموالنا وأرزاقنا ونحن قد جعلنا هذا المال هدفنا ومُبْتَغَانا؟! من أين ننتظر البركة ونحن قد أصبحنا عبيداً للمال خدماً لسلطانه؟! من أين تأتينا البركة، وقد أصبح المال محركنا وهو الذي يسكننا، وهو الذي يرضينا ويسخطنا؟! من أين تأتي البركة وصاحب الفضل يبخل بفضله، والغني يمنع خيره ولا يمنح رِفْدَه؟! يا لها من تعاسة ما أشدها على الأفراد والمجتمعات! ويا لها من انتكاسة ما أقوى أثرها على القلوب والنفوس! يقول صلى الله عليه وسلم: (تعسَ عَبْدُ الدِّينَارِ، وَعَبْدُ الدِّرْهَمِ، وَعَبْدُ الْخَمِيصَةِ، إِنْ أَعْطَي رَضِيَ وَإِنْ مَنَعَ سَخِطَ، تَعِسَ وَانْتَكَسَ، وَإِذَا شِيكَ فَلا انْتَقَشَ). يا له من حديث ما أعظم شأنه وما أصدق برهانه! ويا له من واقع ما أقرب معايشتنا له! هل ترون هذا الحديث منطبقاً إلا علينا؟! وهل ترون تفسير معناه إلا ما يجري الآن في واقعنا؟! وإلا فأي تعاسة أكبر وأشد وأبلغ من تعاسة إخوة أشقاء لا يسلّم أحدهم على الآخر، بل ويقاطعه ويهجره، ولا يرى له عليه حقًّاً؟! وأي انتكاسة أقوى وأعظم وأطم من انتكاسة جارين مسلمين وقد يكونان ذوي رحم واحدة، ثم لا يرعى أحدهما للآخر حرمة، ولا يقوم له بواجب؟! إنها والله لمصيبة وأي مصيبة، أن يكون ذلك من أجل الدنيا وطمعاً في نيل أكبر قدر منها، ثم لا يحصل العبد منها إلا ما كتب له بعد أن يكون قد اكتسب الآثام والذنوب العظام، واجترح السيئات، وارتكب الموبقات، وأذهب بركة رزقه، وفقد طعم ماله، وضيّع وقته وعمره وأفسد مآله

عن حكيم بن حزام رضي الله عنه قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم  فأعطاني، ثم سألته فأعطاني، ثم سألته فأعطاني، ثم قال: (يَا حَكِيمُ، إِنَّ هَذَا الْمَالَ حُلْوٌ خَضِرٌ، فَمَنْ أَخَذَهُ بِسَخَاوَةِ نَفْسٍ بُورِكَ لَهُ فِيهِ، وَمَنْ أَخَذَهُ بِإِشْرَافِ نَفْسٍ ـ يعني بتطلّع وطمع وشَرَه ـ لَمْ يُبَارَكُ لَهُ فِيهِ ، وَكَانَ كَالَّذِي يَأْكُلُ وَلا يَشْبَعُ). ألا ما أشد انطباق هذا الحديث على كثير من المسلمين، مجتمعات وأفراداً في هذا الزمان إلا من رحم الله! وما أقرب معناه من واقعهم المؤلم المُزْرِي! حيث جمع أكثرهم المال بإشراف نفس وطمع، وأخذه آخرون بشَرَه وتطلّع، فأفنوا من أجله الأعمار، وأذهبوا في طلبه الأوقات، بل ونسوا في سبيله الطاعات، وذُهِلوا عما خُلِقوا من أجله من العبادات، ووقعوا في الموبقات والمهلكات، يكذبون في بيعهم ويغشون، ويحلفون الأيمان الكاذبة ويخادعون، ويرابون ويرتشون ويشهدون الزور، ويسرقون ويختلسون، كل ذلك طمعاً

في الاستزادة من المال، فمن أين تأتي لمثل هؤلاء البركة؟! يقول صلى الله عليه وآله وسلم: (الْبَيِّعَانِ بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا، فَإِنْ صَدَقَا وَبَيَّنَا بُورِكَ لَهُمَا فِي بَيْعِهِمَا، وَإِنْ كَتَمَا وَكَذَبَا مُحِقَتْ بَرَكَةُ بَيْعِهِمَا)

 أيها الأخوة والأخوات: ومن أسباب عدم البركة البخل والشح، وعدم الإنفاق في سبل الخير وأوجه البر، يقول تعالى:( وَمَا أَنفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ)، ويقول صلى الله عليه وسلم: (مَا مِنْ يَوْمٍ يُصْبِحُ الْعِبَادُ فِيهِ إِلَّا مَلَكَانِ يَنْزِلَانِ فَيَقُولُ أَحَدُهُمَا اللَّهُمَّ أَعْطِ مُنْفِقاً خَلَفًاً وَيَقُولُ الْآخَرُ اللَّهُمَّ أَعْطِ مُمْسِكًا تَلَفًا) ويقول عليه الصلاة والسلام في الحديث القدسي الذي يرويه عن ربه: (يا ابْنَ آدَمَ إِنَّكَ أَنْ تَبْذُلَ الْفَضْلَ خَيْرٌ لَكَ، وَأَنْ تُمْسِكَهُ شَرٌّ لَكَ). فكيف يبغي البركة بخيل ممسك تدعو عليه ملائكة الرحمن بالتلف؟! وكيف ينتظر البركة شحيح حريص لا يفعل خيراً ولا يدعى له بخير؟! ألا فلا نامت عين كل هَلُوع مَنُوع، جَمّاع للمال مَنّاع للخير، يحسب أن بركة المال في وفرته، وما علم أن بركته في الانتفاع به، وهو ما لم يذقه هو ومن على شاكلته

اللهم اكتب لنا من البركة والتوفيق أوفر الحظ وأتم النصيب، اللهم بارك لنا في أعمارنا، وأعمالنا، وفي أزواجنا وذرياتنا، وفي أموالنا وفي أوقاتنا، وفي صحتنا وعافيتنا، واجعلنا يا رب مباركين أينما كنا. وقنِّعنا بما رزقتنا، وبارك لنا فيه ياذا الجلال والإكرام.

نفعني الله وإيّاكم بالقرآن العظيم، وبهديِ سيد المرسلين، أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيمَ الجليل لي ولكم ولسائرِ المسلمين من كلّ ذنبٍ فاستغفروه، إنّه هو الغفور الرحيم.

 

 

الخطبة الثانية

 

الحمد لله على إحسانِه، والشّكرُ له على توفيقه وامتنانِه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحدَه لا شريكَ له تعظيماً لشأنه، وأشهَد أنّ نبيّنا محمّداً عبدُه ورسوله، صلّى الله عليه وعلى آلِه وأزواجه وأصحابه، وسلّم تسليماً كثيراً.

أما بعد فيا أيها المؤمنون والمؤمنات: ومن أسباب عدم البركة أكل المال الحرام وتناوله، والاستهانة بذلك أخذًاً وعطاءً، وقد كثر في هذا الزمان ذلك المنكر العظيم، واتسع فيه الخرق على الراقع، في معاملات الناس فيما بينهم، وفي التخوض في أموال إخوانهم العامة بغير حق، فكم من الناس من يتعامل بالربا الذي لا مرية في حرمته، وكم من الموظفين والعمال من يأخذ الأجر ولا يقوم بالعمل كما ينبغي، وكم من الناس من يتلاعب بأموال المسلمين ومقدراتهم، سواء بأخذ الرشوة جهاراً نهاراً، أو الاقتطاع من مستحقات المشروعات والمرافق العامة، أو بأخذ ما لا يستحقه من انتدابات أو سفرات أو زيادات أو علاوات أو أراض ومنح وامتيازات في الدوائر والمجالس والمؤسسات. أفلا يكون ذلك سبباً في نزع البركات وقلة الخيرات، والتي من أبرز معالمها الواضحة عدم استجابة الدعاء؟! وقد قال سبحانه في الربا: (يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ) وقال صلى الله عليه وسلم: (يا أيُّها النَّاسُ إنَّ اللَّهَ طيِّبٌ لا يقبلُ إلَّا طيِّباً ، وإنَّ اللَّهَ أمرَ المؤمنينَ بما أمرَ بِه المرسلينَ فقالَ يَا أيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ وقالَ (يَا أيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ) ثم ذَكرَ الرَّجلَ يُطيلُ السَّفرَ أشعثَ أغبرَ يمدُّ يدَه إلى السَّماءِ يا ربِّ يا ربِّ ومطعمُه حرامٌ ومشربُه حرامٌ وملبسُه حرامٌ وغذِّيَ بالحرامِ فأنَّى يستجابُ لذلِك)

أيها الأخوة والأخوات في الله: وبعد كل هذا كيف نحصل على البركة؟ إن طريقها واحد لا يتعدد، والحصول عليه لا يتغير يقول الله تعالى: (وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ، وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ) ومعنى أهل القرى: أهل الأمصار والمدن والبلدان، فمن أراد البركة فعليه بالإيمان، الإيمان الحقيقي لا الإيمان الصوري. من أراد البركة في رزقه وماله وولده وصحته وعلمه فعليه بتقوى الله عز وجل في كل شيء

ولو أراد أهل القرى أن يُعطوا من بركات الأرض وبركات السماء فعليهم بالإيمان والتقوى، أما أن يستمر أهل القرى على ارتكاب الذنوب والمعاصي وكبائر الذنوب، والرضا بالفواحش والمنكرات، فمن أين تأتي البركة؟ فإن لم يتغمد الله هذه القرى برحمته، فإنها مُقدمة والعياذ بالله على دمار وهلاك، وصدق الله العظيم حيث يقول: (وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ، وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ، أفأمنَ أهلُ القُرى أن يأتيَهم بأسُنا بياتاً وهم نائمون، أو أمن أهلُ القرُى أن يأتيَهم بأسُنا ضحىً وهم يلعبوُن، أفأمنوُا مكرَ الله فلا يأمنُ مكرَ الله إلا القومُ الخاسرون).

ألا فاتقوا الله عباد الله، وراجعوا أنفسكم، وصححوا مساركم، وعليكم بالحلال وإن قل، وإياكم والحرام وإن كثر، فإنما هي أيام معدودة وأعمار محدودة، يوشك أن تنقضي فترجعون إلى الله، (وَاتَّقُوا يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ)

اللهم بارك لنا فيما رزقتنا وقنا عذاب النار، اللهم بارك في أعمارنا وفي صحتنا وفي أموالنا وفي أرزاقنا وفي أزواجنا وفي أولادنا وفي ذرياتنا يا سميع الدعاء. اللهم إنا نعوذ بك من زوال نعمتك، وتحول عافيتك، وفجاءة نقمتك ومن جميع سخطك وغضبك

اللهم آت نفوسنا تقواها، وزكها أنت خير من زكاها، أنت وليها ومولاها

اللهم أعز الإسلام وانصر المسلمين، اللهم اجعل كلمتك هي العليا إلى يوم الدين.

اللهم آمنا في وطننا وفي خليجنا واجعل هذا البلد آمناً مطمئناً سخاءً رخاءً وسائر بلاد المسلمين، اللهم وفق ولاة أمورنا، وفق ملكنا

حمد بن عيسى وولي عهده رئيس وزرائه سلمان بن حمد، وفقهم لما تحب وترضى، وخذ بنواصيهم للبر والتقوى وهيئ لهم البطانة الصالحة الناصحة يارب العالمين.

اللهم من أراد بلادنا وبلاد الحرمين الشريفين وخليجنا وجيشنا ورجال أمننا، بشر وسوء وفتنة فأشغله بنفسه، وأجعل كيده في نحره، وأدر دائرة السوء عليه يا سميع الدعاء..

اللهم ادفع عنا الغلاء والوباء والربا والزنا والزلازل والمحن وسوء الفتن ما ظهر منها وما بطن عن بلدنا هذا خاصة وعن سائر بلاد المسلمين عامة يا رب العالمين.

اللهم أصلح أحوال المسلمين في كل مكان، اللهم كن لإخواننا المستضعفين المظلومين في كل مكان ناصراً ومؤيداً، اللهم أحفظ بيت المقدس وفلسطين والمسجد الأقصى، وأحفظ أهله، وأحفظ المرابطين فيه، واجعله شامخاً عزيزاً عامراً بالطاعة والعبادة إلى يوم الدين.

اللهم اغفر ذنوبنا، واستر عيوبنا، ونفس كروبنا، وعاف مبتلانا، واشف مرضانا، واشف مرضانا، وارحم والدينا وارحم موتانا، وارحم موتانا، برحمتك يا أرحم الراحمين.

الْلَّهُمَّ صَلِّ وَسَلَّمَ وَزِدْ وَبَارِكَ عَلَىَ سَيِّدِنَا وَنَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَىَ آَلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِيْنَ.

(سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ)

        خطبة جامع الفاتح الإسلامي – عدنان بن عبد الله القطان – مملكة البحرين